القائمة الرئيسية

الصفحات

الإلحاد و سيكولوجية الملحدين (الجزء الاول)


الإلحاد و سيكولوجية الملحدين (الجزء الاول)


الجزء الأول

خلفية تاريخية، وتشكل الإلحاد


   




يعتقد البعض أن الإلحاد هو فقط  إنكار وجود الله لكن هناك أنواع عدة للإلحاد تبدأ من الأشخاص الذين لا يؤمنون بدين وهنا ليس بالضروره أن يكون منكراً للإله" وهذا ما يسمى اللاديني مروراً ب ضد الدين الربوي اللاأدري المتشكك ....الخ  أشكال كثيره للإلحاد ولكل شكل نوعه وفكرته، وليس مجالى هنا التحدث عنها.

ما أود ذكره أن بدايات الإلحاد كانت قديمة وبدأت بالغرب ( أي بديانات أخرى غير الدين الإسلامي) وكانت أشهرها وأكثرها تاثيراً هى تلك التى  نتجت من إحتجاجات وخروج عن الأنماط الدينيه السائده (وثنييه او كنيسيه).


فقد كان للطغيان الكنيسي والهيمنه ورجال الدين على المجالين الخاص والعام في أوروبا في العصور الوسطى من أهم الأسباب التى جعلت هناك حركات تمرد ضدها وبالتالي  كان الإلحاد هو الخيار الاجتماعي والسياسي حين ذاك.

لذا كانت النقلة النوعيه للإلحاد بعد الثورة الفرنسيه عام 1789م، حيث أكد كثير من الفلاسفة والعلماء أن الثوره الفرنسيه كانت علامة بارزه في تاريخ التفكير البشري حول الدين والإله .غير أن هناك من عبر بأن الإلحاد هو روح  الثوره الفرنسيه.

وبالتالي كانت للممارسات القهريه والاستعباديه للكنيسه الأثر الأكبر في توجه الكثير نحو البحث عن حياة كريمه بعيده عن سلطة رجال الدين حتى لو كان ذلك بالكفر بكل ما قدمته الكنييسه لهم من أفكار دينيه مما جعل الإلحاد هو المرادف السياسي لهذا التحرك الفكري. وهذا ما يسميه البعض التاريخ الأسود للكنيسه. والشاهد هنا أن الملحدين وقتها لم يكونوا يركزون على المناقشات العقيمه حول وجود الله من عدمه بقدر تركيزهم حول تأكيد كرامة الانسان ومسئوليته بدلاً من إستعباده وقهره بإسم الدين.وبالتالي أصبحت القيم التنويريه الإنسانية من كرامة وعدالة اجتماعيه هذه مرادفة للإلحاد بشكل ما . 

 وبعد الثوره الفرنسية وبداية نهضة العلم بدأت هناك الحركات التنويريه العلمية التى كشفت الكثير من الزيف وكلام الهوى الذي ظل رجال الكنيسه تنشره بين الناس . مما جعل كل تلك الهرطقات التى كانت تُنشر بإسم الدين ضعيفه المقاومه في مصقلة العلوم والتحليل العلمي مسببةً أزمة وفجوه دينيه . وألقت هذه الفجوه بظلالها على المفكرين والعلماء حتى قادت الناس في أوروبا في القرن السابع عشر إلى ما عُرف بحركة التنوير وزاد الشقاق حتى غرق الأوروبيون في القرن الثامن عشر إلى مستنقع الشك الكامل في كل موروثهم العقائدي والعلمي الذي كانت تشرف عليه الكنيسة وتجبر الناس على الإمتثال الكامل له..

وتوالى هذا الصراع على أشدّهُ حتى انحسرت دور الكنيسة وتراجعت إلى الزوايا البعيدة وخاصة بعد الثورة الفرنسية.ثم بدخول القرن العشرين كان الأوروبيون مستعدين لأمثال كمقولة" الدين أفيون الشعوب" التي كان لها وللعقيدة الماركسية أثر كبير في رسم مسار التاريخ الأوروبي الحديث.


وبالإنتقال إلى بيئتنا العربية فإنه لا يمكن تجاهل العامل السياسي في إنتشار ظاهرة الإلحاد في العالم العربي، فعقب الربيع العربي، ومع الإنقلابات العسكرية وعودة الديكتاتوريات التي وأدت الربيع العربي في مهده، انتشرت حالة اليأس والضياع وفقدان الأمل بين الشباب، وهي المشاعر التي تؤثر بشكل مباشر في إتخاذ قرار الإلحاد لأنها تنعكس على تصوّر المرء لمفهوم الإله وتساؤلاته (التى تتجلى في سبب وجود كل هذا الشر وهذا الظلم بتزامن مع وجود إله للكون مسببة نوع من الإحباط واليأس)، فقد أشارت  دراستان بحثيتان أجرتهما جمعية علم النفس الأميركية، أظهرت الأولى أن 54% من الملحدين التي تم إجراء الدراسة عليهم عانوا من فترات إحباط ويأس أدّت إلى إلحادهم، بينما ارتفعت النسبة في الدراسة الثانية إلى 72% وهو ما يدلّ على الدور المهمّ للشعور النفسي بالإحباط والتأزّم في الاتجاه إلى الإلحاد، وهو ما يسمّيه الباحث عبدالله الشهري "القابلية للإلحاد" ويعتبره السبب الأول لشيوع الإلحاد".

إضافة الى أن انتشار خطاب ديني متطرف في العالم العربي إثر ثورات الربيع العربي، ليبدأ بعض الشباب العربي الثوري في إعلان عدم إيمانهم بهذا الخطاب وكل ما يحتويه حتى وصل بهم الحال برفض كل ثوابته التى يعتمد عليها الخطاب والذي يحاول فيها المخاطب تأكيد فكرته بربطه بثوابت دينيه. وقد أثار هذا الاتجاه نقاشا حاداً في المنطقة العربية، ولا سيما على شبكات التواصل الاجتماعي، وكسر حاجزاً ظل يُنظر إليه بإعتباره من "التابوهات " المحرم الحديث فيها على مدار العقود السابقة... 

( سيتم تناول هذا الجزء بإستفاضة في الجزء الثاني من الموضوع )


بقلم✒️

د.سحر طارش

مختصة فى الاضطرابات النفسيه والنمائيه عند الاطفال 

Comments

التنقل السريع