القائمة الرئيسية

الصفحات

الإلحاد وسيكولوجية الملحد ، العوامل النفسيه وراء الإلحاد،الجزء الرابع


 الإلحاد وسيكولجية الملحد 

الجزء الرابع 

العوامل النفسيه وراء الإلحاد:

ان الحركات التنويريه في المنطقه الأوروبيه دفعت الكثير من الفلاسفة والعلماء لدراسة سيكولوجيه الإيمان  والمومنين بإعتبار أن الأصل في الموضوعيه والثابت هو الإلحاد والإستثناء هو الإيمان! . واعتقد من وجهه نظري أن هذا نتاج طبيعي مما حدث من رجال الكنيسه آنذاك من ممارسات قمعية ومضلله للسيطرة على الناس لسنوات وعقود بأسم الدين، والتى جعلت العلماء والفلاسفة فيما بعد خصوصاً بعد ما أنكشف زيِفهم وكذبهم، بأن هناك حاجه ملحة لدراسة سيكولوجيه تلك العقليات الدينيه بإعتبارهم حالات مضطربه.

لذا يتفق الكثير من العلماء القدماء والجدد بأن الإلحاد هي قضيه نفسيه بحته وبشكل واضح وجلى وأن حاول البعض إظهارها بغير ذلك فأن جذورها نفسيه في أغلب الأحيان .

حيث أن ما يؤثر في توجهاتنا في السنوات الأولى من العمر يمكن إعتباره ضمن العوامل النفسية المختبئة في اللاوعي، إلا إنها -ورغم احتمالية نسيان أسبابها- تبقى حاضرة في توجيه العقل والتصورات فيما بعد. بينما تتشكل العوامل الشخصية في بؤرة الوعي حينما يكبر المرء قليلا لتكمل العلاقة مع ما غُرِس في النفس منذ الصغر، ويحيط بالمرحلتين العوامل المجتمعية التي تتسبب في إحداث التأثيرات -النفسية والشخصية- وتعلوهما العوامل المعرفية والموضوعية التي يعبر بها المرء عن فكرته، بصرف النظر عن صحتها من عدمها.

تماما كالحروف التي يتعلمها المرء في مراحله الأولى، فإنه قد ينسى المواقف التي علّمته بها أمه/معلمته الحروف، لكن القدرة على القراءة تظل حاضرة، فنكون قد نسينا الحصة ولكننا استوعبنا الدرس. وبمدّ الخط على استقامته، فإن العلوم والثقافة التي نمتلكها بسبب القراءة تعتمد بالكلية على ما استوعبناه مبكراً من دروس الهجاء. ومن ثم يمكننا النظر -وفقا لهذا التصور- إلى الإلحاد كمنظومة رباعية تشبه جبل الجليد، فقاعدته العميقة تمثلها الجوانب النفسية، بينما تترتب عليها العوامل الشخصية وتحيطها العوامل المجتمعية (ماء المحيط)، حتى تظهر على السطح العوامل المعرفية التي يعلن بها الملحد عن نفسه. فما هذه العوامل؟ وكيف يحدث الإلحاد الذي يُبنى على أسباب نفسية بحتة في كثير من الحالات التي لا تمتلك أسئلة بقدر ما تمتلك موقفا نفسيا سيئا من الدين (كما ذكرت ذلك فى الجزء الثاث)؟

لنتعمق أكثر بهذه العوامل: 

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم  ﷺ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه ....ويذكر مصطفى محمود “و لو أني أصغيت إلى صوت الفطرة و تركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل .. و لقادتني الفطرة إلى الله .. و لكنني جئت في زمن تعقد فيه كل شيء و ضعف صوت الفطرة حتى صار همساً وارتفع صوت العقل حتى صار لجاجة وغروراً واعتدادا"  .كما يذكر بول فيتز على خلفية إصداره لكتابه الشهير "سيكولوجية الإلحاد"  "كنت مقتنعاً ببضع أفكار أقمت عليها إلحادي -ولا شك أن الإعلام شارك في بث هذه المفاهيم- ولا شك أنني لو تفكرت في هذه المفاهيم ودرستها منذ سنوات لتخلّصت من عبء ثقيل أجهدني لفترات طويلة". . ويُذكر في كتاب سيكولوجيه المؤمنين " ان الإعتراضات و الانتقادات الناتجه من الملحدين ماهى الا قناعاً تختفى وراءه الدوافع الذاتيه الواعيه وغير واعيه للشخص" وهذا يدلل بأن عامل التنشئه الاسريه والنفسيه تلعب دور مهم في التأثير على فطرة الانسان وعقيدته. 

أما من ناحيه الدراسات العلميه والبحثيه أكدت الكثير من الدراسات بأن اللإلحاد هي قضيه نفسيه فى المقام الأول فمن هذه الدراسات، دراسه "النمط النفسي للملحد"، والتى يعرضها عالم النفس "بنيامين هلاهمي" نتيجة ما توصّل إليه بخصوص عينة الدراسة، والتي أجراها على 320 عضوا من أعضاء الإتحاد الأميركي لتقدم الإلحاد، ليتضح أن نصف من تبنوا الإلحاد قبل سن العشرين -وهم أغلبية العينة- فقدوا أحد والديهم، تلك النتيجة التي تتلاقى مع كتاب "بول فيتز"، والمعنون أيضا بـ "إلحاد فاقد الأب"، إذ تشير إلى محورية دور الأب في تشكيل الدوافع النفسية لدى الطفل نحو الإيمان/الإلحاد، فيما يُعرف بنظرية التقصير الأبوي التي يعلّق عليها "فرويد" قائلا إن الفتيان يفقدون إيمانهم الديني بمجرد أن تنفصم عُرى السلطة الأبوية لديهم قبل هذا السن، وأن عددا كبيرا منهم عانى من أزمات تربوية في طفولته وصباه..لذا فإن من يفقدون آباءهم (وفاة – هجر)، أو من وجدوا آباءهم جبناء بصورة مخزية، أو قساة بصورة طاغية، فإنهم قد "يعانون صعوبات في تبني الإيمان بالإله"، وفي المقابل فإن "من يجد بديلا مناسبا عن الأب (أستاذ – جد – صديق أكبر…) يكون أحسن حالا"

وهدا يعني  إن الإبن يرى في الأب تمثيلا للسلطة الدينية، فإن كان الأب منحرفا أو طاغية فإن الإبن قد يترجم سلوك الأب على أنه تصوير للدين، فينشأ موقفه المعادي له، ومن ثم يتجه نحو الإلحاد. ذلك الأمر الذي يؤيّده الطبيب النفسي "شهاب الدين هواري" ، إذ يرى أن السلطة الدينية في مرحلة التربية المبكرة تكون في يد الوالدين أو من يحل محلهما، لذا فهم نقاط النفوذ والتأثير والتعليم، وكذلك من يقومون بمهمة التبليغ عن الله بعد سن الرشد للطفل والإدراك، لذا فإنه يعتبر تشويه النفسية الدينية عند المرء خلال مروره بتلك المراحل نوعا من الإساءة الروحية. ومن جانب اخر يذكر "فيتز" أن السيد "أنتوني فلو"، أحد أشرس الملحدين وزعيم الإلحاد الغربي طيلة النصف الثاني من القرن العشرين قبل أن يؤمن بوجود الإله بعد الثمانين، قد شوهِد في إحدى نوبات سكره الشديدة راقدا على الأرض، صارخا في أسًى متكرر وهو يقول: إني أكره أبي!  وهو ما تكرر في حالات أخرى شبيهة لفلاسفة وساسة فقدوا آباءهم واتجهوا للإلحاد كـ"نيتشه"، و"برتراند راسل"، و"ستالين"، وحتى "سيجموند فرويد" نفسه صاحب نظريه التحليل النفسي والذي  تحدث عن اللاوعي والذى كان شديد التعصب ضد الدين .

بمد الخط على استقامته، تنتج من العلاقة الأبوية عند "فيتز"، وآثار اضطرابها أو غيابها على إيمان الإبن، بينما نظرية أخرى تدرس العلاقة بين الإبن والأم، وتتلخّص النظرية في أن العلاقة بين الطفل وأمه قد تمثل النموذج الذي ستكون عليه العلاقة بين هذا الشخص في المستقبل وبين الآخرين، ويمتد هذا النموذج حتى يؤثر في العلاقة بالإله، وهي النظرية التي طرحها عالم النفس الإنجليزي "جون بوالبي"، وطوّرتها بمزيد من الأدلة تلميذته الأميركية "ماري أنسويرث" . لكن، وعلى الرغم من ذلك، فقد أظهرت الدراسة أن تأثير التقصير الأبوي يفوق تأثير العلاقات الأخرى على علاقة الابن بالإله، بما في ذلك تأثير الأم نفسه. وقد قسّمت "أنسويرث" ارتباط الأم إلى أربعة أقسام، تبدأها بالارتباط الآمن المستقر والذي يمثل قرابة 60% من علاقات الأمهات بأبنائهن. ثم تنتقل إلى علاقة الارتباط غير الآمن الذي يفقد بسببه الطفل اجتماعيته ويميل إلى الانطواء، ونسبته 20%. ثم الارتباط المتناقض (المتأرجح) الذي تتوتر فيه العلاقة بين القرب والبعد، وهو ما يُنتج طفلا متوترا يبحث عن الاهتمام، ونسبة تلك العلاقات 15%. وأخيرا الارتباط المضطرب الذي تفسد فيه علاقة الطفل بأمه ويُنتج أبناء مرتبكين، غير مطمئنين في علاقاتهم مع الآخرين، وهي العلاقات التي تمثل نحو 5% من علاقات الأمومة.

ووفق إحصائية للدكتور "عمرو شريف"، فإن سبع حالات من الشباب الملحد كانوا يعانون من انفصال الوالدين وغياب أحدهما أو كليهما، بالإضافة إلى خمس حالات منهم عانوا من التشدد الديني من قِبَل الأب، وفي أربع منهم شغل دورَ الأب المفقود مدرس ملحد، أو صديق أكبر ملحد دفعه إلى الطريق نفسه، وهو الحال نفسه الذي يتكرر مع كثير ممن يجدون آباءهم ملحدين كـ"سيمون دي بوفوار" التي خطت خلف والدها في منهجه الإلحادي. 


فى الجزء الخامس والاخير من هذه السلسلة سيكون عن التربيه الروحانيه واهميتها بالنسبه للأنسان.

بقلم✒️

سحر طارش

اخصائيه في الاضطرابات النفسيه والنمائيه عند الاطفال 

Comments

التنقل السريع