يمثل التهجير تجربة صعبة ومؤلمة للكبار، لكنها تكون أكثر تعقيدًا وإرباكًا بالنسبة للأطفال، الذين لا يزالون في مرحلة بناء هويتهم النفسية والاجتماعية. فالأطفال في المهجر يواجهون مجموعة من التحديات النفسية التي قد تترك آثارًا طويلة الأمد على نموهم وسلوكهم.
أول هذه التحديات هو الانفصال عن البيئة المألوفة، مثل المنزل، المدرسة، والأصدقاء. يشعر الطفل في كثير من الأحيان بالضياع والحنين، ويجد صعوبة في التكيّف مع البيئة الجديدة، خاصة إذا كانت اللغة والثقافة مختلفتين تمامًا. هذا الانفصال قد يسبب مشاعر القلق، الحزن، أو حتى الغضب.
ثانيًا، يعاني الكثير من الأطفال المهجّرين من صدمة الحرب أو العنف الذي دفعهم إلى الهجرة، وقد تظهر عليهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، مثل الكوابيس، الانعزال، أو فرط اليقظة.
ثالثًا، قد يتعرض الطفل في المجتمعات الجديدة إلى التمييز أو التنمّر، مما يؤثر سلبًا على ثقته بنفسه وشعوره بالانتماء. كما أن عدم استقرار الوضع المادي أو القانوني للعائلة ينعكس على الطفل في صورة توتر دائم وشعور بعدم الأمان.
ومن الجوانب المهمة التي تساعد الأطفال في تجاوز هذه الاضطرابات النفسية هو الحفاظ على الروتين اليومي. فالروتين يمنح الطفل شعورًا بالاستقرار والسيطرة، حتى في ظل التغيرات الجذرية من حوله. تناول الوجبات في وقت محدد، النوم المنتظم، متابعة الدراسة، والأنشطة الترفيهية، جميعها عناصر تعيد للطفل الإحساس بالأمان وتدعمه نفسيًا. الروتين ليس ترفًا، بل هو حاجة نفسية أساسية للأطفال في الأوضاع الصعبة، لأنه يساعد في تقليل القلق ويعزز الشعور بالحياة الطبيعية.
من المهم أيضًا توفير دعم نفسي واجتماعي للأطفال في المهجر من خلال برامج مخصصة في المدارس والمراكز المجتمعية، تتيح لهم التعبير عن مشاعرهم، وتعزز من قدراتهم على التكيّف والاندماج. كما أن دور الأسرة في احتواء الطفل والتواصل معه بصدق وطمأنينة يعد حجر الأساس في بناء توازن نفسي سليم في بيئة جديدة.
No comments:
Post a Comment
شكرا لوقتكم واهتمامكم . ان كان لديكم اي تعليق يرجى كتابته في خانة التعليقات لأثراء الموضوع . وشكرا