القائمة الرئيسية

الصفحات

 




من ذكرياتى ..✒✒

مع نهاية العام 2014 و مستهل العام 2015م  تحركت جهود بعض الأساتذه في تعز في منطقة الحرير في تأسيس مدرسة للنازحين لتدريس أبناء المنطقه ، إذ كانت الدراسه متوقفه فيها لفتره طويلة بسبب اوضاع الحرب.

 يومها سعدت كثير بهذه المبادره  التى سارعت مباشرة للانضمام فيها كغيري من أبناء وبنات الحي. وقد تم حينها الاستفاده من مبنى الملحق بجامع السعيد كلابه الذى كان بالأصل مبنٱ لتحفيظ القران الكريم.

بعد حصول المدرسه على موافقة إدارة مديرية المديريه في فتح المدرسه حظيت وقتها بشرف تعيني أن أكون مديره لقسم الصفوف الأولى بالمدرسة إلى جانب عضويتي بالمدرسه وكان ذلك  بموجب اتفاق مدير المديرية و رئيس المبادرة

بالمرحلة الأولى .وحال موافقتي باستلام العمل بادرنا حينها بإعلان أنه سيكون هنالك صفوف دراسية أولى تبدا من الروضه الى الصف الاول والثاني و أنها ستكون تحت مسئوليتي. وعلى إثر ذلك سرعان ما توافد علينا الكثير من الأسر تحمل أطفالها إلينا -سواءا  من ابناء الحي أو الاحياء المجاوره و تزايد الإقبال على المدرسة إلى أن تعدى الامر الى توافد فئه المهمشين أيضا الى المدرسه والانضمام الى الصفوف-  وكان ذلك ثقة منهم بنا فيما نقدم من خدمه رغم شح الإمكانات.

هذا التزايد استدعى الحاجه الى مدرسين وكان اختياري حينها للمدرسات يتم بمعايير مختلفه تختلف كلية عما يعتمده الكثير من مسئولي لقاءات التوظيف ..

ولكون المستهدف فئة الأطفال كنت المسئولة عنهم باعتبار أن أعداد مثل هذه الصفوف الدراسيه هي المرحله الاولى للسلم التعليمي ويستلزم تعامل خاص جدا يختلف عن المراحل الاخرى. ولذلك وعلى سبيل المثال أحد اعتبارات معايير التوظيف والانتقاء المدرسات التي اعتمدتها هو  يجب ان تكون المتقدمه للعمل مربيه أكثر عن كونها مدرسه وأن تكون لديها طاقة صبر وخبره للتعامل مع الطفل كطفل لا كطالب ..

الأهم من ذلك أن جل اهتمامنا ورعايتنا كانت متركزة على الاطفال و التعامل معهم بما يخفف عنهم الآثار النفسيه والسلبية للنزوح جراء كوارث الحرب. 

كنت مديره بلا مكتب.... نعم بلا مكتب... ولم نكترث جميعنا لذلك للرسالة التي حملناها اتجاه الاطفال.

وبسبب شح الإمكانات كانت مساحه الصف الدراسي لا تتجاوز 2*3 م  ولا يتوفر أية مستلزمات تعليميه كالكراسي مثلا ولم يتوفر لدينا ما نكسوا به الأرضيه سوى الموكيت العادي الذي لا يرتقي لمستوى فصل دراسي مؤهل يليق لصفوف مدرسيه تعنتي بطفل بالدرجة الأساسية قبل أن يكون كطالب. 

كمسؤولة كنت حريصه كل الحرص ببداية أولى مراحل العمل على معرفة سلوكيات الأطفال ومشاكلهم السلوكيه لغرض تخفيف الضغط على المربيات وتوجيه جهودهم أثناء التدريس لتقديم الأفضل. ففي أوقات الدوام كنت أصب كل جهدي لأضل عن قرب واتصال مباشر مع كل الأطفال أدرس سلوكياتهم ومراحل نموهم.وخصائص الطفل العدواني من المتوحد والمستقر والنائم والباكي والطفل كثير الشكوى  وخلاف ذلك من الخصائص السلوكيه للأطفال. فمثلا يصل بي الحال إلى متابعة سلوك الطفل العدواني فيهم متي يبدأ عدوانه؟ ومع من؟ وكيف يبدأ ذلك؟ ولماذا؟ .

إلى جانب متابعتنا لسلوك الطفل ذو النشاط الزائد كم هي سعة تركيزه ومتى يبدأ انتباهه بالتشتت؟ وهل يمكن أن يكون هذا التشتت في الإتنباه كسلوك  ينتقل إلى سلوك تخريبي أم عدواني أم أي سلوك آخر.

والكثير والكثير من المشكلات التي تعيق المدرسه في تقديمها للدرس

ولذلك كان عليا لزاما أن أكون سريعه ومركزه في عمل توصيف واضح  لسلوكيات الأطفال حتى يكون للعمليه التعليميه نتائج سريعه وواضحه.وكان الأمر كنوع من التحدي لنا نتاج شح الموارد. 

مما أتذكره هنا بعض المواقف التي تحضرني فيما ذكرت حول بعض النشاطات التى كانت أقوم بها خلال متابعتي مثلا  لطفل من ذووا النشاط الزائد مثلا... والتى قد حددت مستوى انتباهه وسعة تركيزه...  إذ كنت قبل انتهاء سعة انتباه هذا الطفل بأقل من دقيقه أتجه نحو صف الطفل لإخراجه منه .. ثم أطلب منه أن يقوم بمهمه توصيل أوراق ما إلى المبنى الآخر أو أي عمل آخر وبالأخير أكافئه بأي شي رمزي .. بسبب هدوءه بالصف وعدم عمل أي تصرف مزعج في الصف.ولكون العملية التعليميه تأخذ نسق مستمر أظل في متابعه دوريه له و كنت كل يوم أزيد من سعه انتباهه من خلال زيادة انتظاره لى لإخراجه من الصف وإعادته إليه بشرط الاستمرار بالهدوء فيه وهكذا حتي تغير سلوك الطفل بشكل ملحوظ  ..

الطفل الآخر الذي لن أنساه هو نازك ... طفل من طبقة المهمشين(الأخدام) هذا الطفل الذي حظر أول يوم المدرسه حافى القدمين وثياب متسخه وذو رائحه غير مستحبة انزعج لها الكثير من المدرسين والأطفال معا في الصف الدراسي الذي تقرر توجيهه له. وما كان مني إلا أن أحتوي الموقف ذلك اليوم وتدريسهم خلف المدرسه على الهواء الطلق ونجد حلا آجلا. لم يكن من بد بعد تفكير مضني وتفهم المشكله سوى أن اهتديت لفكرة تعتمد على التعليم بخلق التنافس لعمل الأفضل ولذلك وقبل ان أطلب من نازك ان يأتي في اليوم اللاحق بثياب نظيفه أعلنت لكل  الاطفال بأن يوم غد سيكون اختيار الطفل الأنظف والأكثر أناقه ليتم تسميته بأنيق الصف وفي كل يوم سيكون هناك إسم جديد... وبنوع من التلميح لغرض لفت نظر نازك وتركيزه على أنني أنتظر منك أن تفوز غدا بثياب نظيفه وشعر مسرح ووجسم مغسول ومرتب في هندامه أمام قرناءه وهكذا.

وفعلا باليوم الثاني تم تكريم الأنيق بالصف وكان نازك على رأس هؤلاء الاطفال و تم تحفيزه وتشجيعه بالإطراء عليه أن نازك اليوم لديه حذاء جديد ونظيف ولم يأتي حافي القدمين كما بالأمس ليتم التصفيق له أيضا وتم الإشاده بباقي الصف جميعا ... نازك كان مقرب إلى قلبي فقد كنت حريصه جدا في وقت الفسحه أن أعطيه مبلغ بسيط جدا لشراء البطاطس المقليه التى كانت تباع في المدرسه خصوصا أن كل الأطفال يتهافتون إلى مقصف المدرسه باستناءه .. لذا كنت دائما ما أكلفه بعمل ما لأعطيه مبلغ البطاطس المقليه أو حتى أعطيها له كمكافأة له إذا كان مؤدب وغير مؤذي في ذلك اليوم ....... الشي الأكثر سعادة بالنسبه لى حين جاءت أمه إلى تبحث عني لتقول لي إبني لم يعد يقبل بمساعدتي في جمع القمامه وأنه يريد أن يركز في دراسته  

لم تكن إدارتي للقسم إدارة تقليديه ولم تكن بالأمر السهل وكانت تستلزم منا الصبر الغير محدود.. وهذا ليس من باب المديح  بقدر ما كنت سعيده جدا بالعمل هذا وشغوفه فيه للأخذ بيد طفل ما للأمان النفسي والاجتماعي و بناء الثقه فيه ..وللأسف سرعان ما جاءت الأمور على عجل لأسافر الى ماليزيا لاستكمال الدراسه العليا وتمر بي الأيام حتى جاءني ما لم أتوقعه

إذ جائتني رساله من أختي التي تدرس في إحدى المدارس في تعز وتقول لي هناك خادم يبلغك السلام ......لم أتذكر نازك حينها ولم أتوقع أن تأتيني منه رساله بالسلام ... حتى ذكرتني اختي به لأنه يذكرني دائما ودوما .......سعدت كثييييرا كثييييرا لنبل هذا الطفل الإنسان ووفاءه وأتمنى أن لايقع تحت ظلم المجتمع.

حديثي هنا دليل حي على مسألة أن المدرس الصبور الناجح والمخلص في عمله يستطيع تغير مستقبل طفل من حال الى حال اخر بل وأمة أيضا...قد أكون فشلت في أمور كثييره لا أعلم بها أو أجهلها أو أتجنبها ..لكن بسؤال هذا الطفل شعرت بسعادة لا توصف وتغيرت لدي الكثير من المفاهيم عن طبيعة العطاء والحياه بشكل عام.وهذا لربما ما جلعني أكتب هذه السطور لعلها تكون رسالة بسيطه لكل تربوي مفادها أن التربية اخلاق لذا لا تقللوا من الأعمال التربويه التى تقدمونها للطلاب اعملوا خيرا ولا تنتظروا النتائج سريعا وكونوا على ثقه أن الخير مهما صغر شأنه ستأتي ثماره دوما فكيف بثمار التربيه والتعليم..فكونوا على يقين أنه لربما من بين مائتين طفل تأتي الإجابه من طفل واحد أنك كنت خير معلم وهذا ما يكفي.


بقلم : سحر طارش ✒

Comments

التنقل السريع